قصه من طفل بريئ حكم عليهي بلوجود

اسم الشاعر بلال عبدالله الشيخ رجى عبدالله. ولد في شهر أيلول من عام 1976 من أم لبنانية وأب فلسطيني .

كان والده قد هجّر من فلسطين عام 1948 وهو طفل رضيع. ترعرع بلال في بيروت وكان قد فتح عينيه وأيقن وجوده هو صبي في ظل الإجتياح الهمجي الإسرائيلي للبنان. كـــان عمره سته أعوام عندما اتخذت العائلة من منطقة الرملـــــــة البيضاء مسكناً لها.درس في مدرسة النهضة العربية بنفس المنطقة حيث بدأت حالة التمرد تجتاح شخصية الشاعر وكانت أجواء حياتيه كلها قبل الاجتياح الإسرائيلي صور لمقاومين وأسلحة وشعارت تنادي بفلسطين وبحرية فلسطين.

هذه الأشياء أثارت في قلبه وعقله التساؤلات ؟؟ في الإجتياح الإسرائيلي كانت قد تجسدت صورة معاناة الشاعر. ولكن الإيجاب في هذا الأمر انه رغم الحصار والرعب والقهر والقتل والمجازر، هذا كله أثر في روح الكلمة عند هذا الشاعر وصقلته بملامح رقيقة رغم بشاعة المواقف.

في حياته الشخصية عاش بلال في أجواء حياة كريمة بعد انتقاله إلى منزل أهل والدته في ضيعة عيترون حيث عاش بأمان وسلام نوعاً ما ولكن ما تخلد في ذهنه أن هناك غاصب إحتل كل ما هو جميل في أعماقه وفي أعماق هذه الأمة. كانت في تلك الضيعة أشياء جميلة وكان لوصف الشاعر في هذا الموقف عمق إذ قال : "كنت وإن صغيراً أحب فاكهة الصبار الذيذة الطعم والشهية، ولكن كان علي دفع ثمن كبير لأكلها والثمن هو أن أتألم من أشواكها وأيقنت أن للوصول للأشياء الجميلة لابد لك بأن تدفع ثمن باهض وهو أن تتألم ".


عاد الشاعر إلى بيروت بعد ذلك وعاش فيها فترة قصيرة، وفي تلك الفترة كانت المقاومة الفلسطينية قد انسحبت من لبنان. "ذهبت إلى الميناء لتوديعها تيمناً وإيقاناً لنا جميعاً بأن الحرب قد انتهت وودعنا في تلك الفترة المقاومة الفلسطينية التي كانت قد بدأت رحلة شتاتها من ميناء بيروت. كانت الصورة هي دموع وتوديع وفراق لهؤلاء المقاومين وهذا المشهد أثر في حياتي وكأنه حفر في عقلي ونحت".

بعد هذا الحدث، حصل ما هو أبشع وأشرس مأساة وهي مأساة مجزرة صبرا وشاتيلا.


"وبدأت مرحلة حرب المليشيات في المخيمات الفلسطينية وأنا أدرك وأرى أن هناك مجموعة من البشر تتقاتل وتقتل بعضها البعض برغم وحدة اللغة! هذا الموقف أثارعندي التساؤلات وعلامات الاستفهام ؟؟ لماذا يقتلون بعضهم؟؟" وأصبح عند الشاعر بعد هذه المراحل مجموعة من التناقضات التي أثارت تسـاؤلات لا من أجوبة لها
.


بعد هذه الاحداث كلها، أصبح وضع الشاعر ووضع من مثله صعب جداً وأصبح الضيق وتضيق الخناق لا يحتمل في حياته وهو قد تربى على إنه فلسطيني وإنه فخر وإنه الانسان المميز.
أصبح يشعر بإنه مطارد ويجب عليه أن يخفي هذه الهوية وكأنه أصبح مجرماً ومطارداً. حتي لزيارة جدته في الجنوب كان عليه أن يخفي أنه فلسطيني لكي لا يقتل عند الحواجز ولا في الانفاق ولا في أي نقطة تفتيش تبحث عن فلسطيني.

الشيء الوحيد الذي كان يلغي التناقض داخل هذاالصبي هو زيارة مخيم الرشيدية حيث كانت تعيش جدته، لأنها كانت تزرع في داخله مفهوم آخر عن فلسطين التي لم يعرفها حيث الزرع والشجر والفواكه والعادات والبحر والأمل... كان لوقع هذه الموسيقي التي تتغنى بها جدته عزف على أوتار قلبه الذي أنهكه الألم.

قد تكون الصورة الأوضح لنقلنا للحقيقة هي أن الفلسطيني لم يعد له وجود في لبنان وعليه أن يبدأ رحلة ألم جديدة ألا وهي الرحيل والهجرة ثانيةً لبلد آخر؛ فكان قرار العائلة الهجرة إلى الدنمارك. كانت أمنية حياة الشاعر ركوب الطائرة. ذهب أطفال الجيران (الحارة) يوماً إلى مدينة الملاهي ولم يسمح له بالذهاب معهم. بعد عودتهم وحكياتهم عن لهوهم، تمنى أن يصعد في الطائرة والهدف من هذه الأمنية هو نيل شيء أكبر مما أسحقموه هم ، أن يكون بين السماء والأرض في رحلة على متن الطائرة التي تمثل حلم ووسيلة لنقله من جو المعاناه والألم والحرب إلى جو السلام والأمان. والتناقض هو كيف سيتأهب للرحيل الذي يتمناه للهروب من أجواء المأساة وكيف سيترك ذكرياته وأصدقائه وحياته هنا في لبنان؟ ولكن القرار كان نهائياً وهو حسم بموضوع الرحيل وترك لبـــــنان.

كان يدرك وهو على متن الطائرة، بعد صعود السلم وجلوسه بالمقعد، أن هناك شيء جديد وعالم جديد لابد أن يراه. و كان للشاعر هذا الوصف : "بدأت الطائرة الصعود وأنا أنظر من نافذة الطائرة رأيت بيروت وهي تبعد وتصغر وتصغر معها كل الصور المأساوية فيها الناس والحرب والقتل والمجازر والقناصة والقذائف... وبدأت بيروت تبتعد شيئاً فشيئاً حتي غابت!"